كلارا زيتكن
(1933-1857)
كلارا زيتكن: السيرة الحمراء لأيقونة النضال البروليتاري والنسوي الثوري
وُلدت كلارا أيزنر، التي عُرفت لاحقاً بكلارا زيتكن، في 5 يوليو 1857 في قرية فيدراو الصغيرة بمملكة ساكسونيا الألمانية. نشأت في بيئة برجوازية صغيرة متعلمة، حيث كان والدها مدرساً في قرية صغيرة. لكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مع تصاعد التناقضات الطبقية وبروز الحركة العمالية، ساهمت في تشكيل وعيها السياسي المبكر.
التحقت كلارا بمعهد ليبزيغ للمعلمات بين عامي 1872 و1878، حيث تعرفت هناك على المنفيين السياسيين الروس الذين قدموا إلى ألمانيا هرباً من القمع القيصري. من خلال هؤلاء المنفيين، تعرفت على الأفكار الاشتراكية والماركسية، والتي شكلت نقطة تحول حاسمة في حياتها. في هذا السياق، بدأت تدرك أن قضية تحرر المرأة لا تنفصل عن قضية تحرر الطبقة العاملة بأكملها من نير الرأسمالية والاضطهاد الطبقي.
في عام 1878، انضمت كلارا إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD)، في وقت بالغ الخطورة حيث كان الحزب يعاني من قمع شديد بموجب "قوانين بسمارك المناهضة للاشتراكيين". في هذه الفترة العصيبة، التقت بأوسيب زيتكن، الثوري الروسي المنفي الذي سيصبح زوجها لاحقاً. كان أوسيب من أشد المدافعين عن الماركسية الأرثوذكسية، ولعب دوراً حاسماً في تعميق فهم كلارا للنظرية الماركسية وربطها العضوي بين اضطهاد المرأة والاستغلال الرأسمالي.
اضطرت كلارا للفرار إلى باريس عام 1882 بعد زيادة القمع السياسي في ألمانيا، حيث قضت هناك ثماني سنوات من المنفى السياسي. في باريس، انخرطت في النشاط السياسي للحركة الاشتراكية الفرنسية والدولية، وشاركت في تأسيس الأممية الثانية عام 1889. في المؤتمر التأسيسي للأممية، ألقت خطاباً تاريخياً حول "مسألة المرأة والبروليتاريا"، حيث طرحت لأول مرة بشكل منهجي الرؤية الماركسية لقضية المرأة، معتبرة أن تحرر المرأة الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال النضال المشترك مع الطبقة العاملة لإسقاط النظام الرأسمالي.
عادت كلارا إلى ألمانيا عام 1890 بعد إلغاء قوانين بسمارك القمعية، حيث تولت رئاسة تحرير صحيفة "المساواة" (Die Gleichheit) عام 1891، والتي حولتها خلال العقدين التاليين إلى أهم منبر للحركة النسائية الاشتراكية في أوروبا. من خلال الصحيفة، نظمت ونشرت الوعي الطبقي بين العاملات، مؤكدة أن النضال من أجل حقوق المرأة يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من النضال العام للبروليتاريا.
في عام 1907، نجحت كلارا في تنظيم أول مؤتمر دولي للنساء الاشتراكيات في شتوتغارت، حيث تم تأسيس المكتب الدولي للنساء الاشتراكيات واعتماد استراتيجية موحدة للنضال من أجل حقوق المرأة العاملة. في هذا المؤتمر، عارضت بشدة التيارات النسوية البرجوازية التي تدعو إلى تحرر المرأة في إطار النظام الرأسمالي، مؤكدة أن المساواة الحقيقية تتطلب ثورة اجتماعية تقضي على أساس الاضطهاد الطبقي.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914، وقفت كلارا إلى جانب روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت في معارضة موقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي صوت لصالح اعتمادات الحرب. رأت في الحرب تعبيراً عن التناقضات الداخلية للإمبريالية الرأسمالية، ودعت إلى تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية ثورية. في هذا السياق، شاركت في تأسيس "عصبة سبارتاكوس" الثورية، التي أصبحت نواة الحزب الشيوعي الألماني لاحقاً.
بعد انتصار ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917، أصبحت كلارا من أبرز المدافعات عن التجربة السوفيتية في ألمانيا. زارت الاتحاد السوفيتي عدة مرات، وأعربت عن دعمها الكامل للبلاشفة، معتبرة أن ثورة أكتوبر قدمت النموذج العملي الوحيد لتحقيق تحرر المرأة الحقيقي من خلال إقامة ديكتاتورية البروليتاريا وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
في عام 1920، تم انتخاب كلارا لعضوية الرايخستاغ (البرلمان الألماني) كأول نائبة شيوعية، حيث استغلت منبرها البرلماني للدفاع عن حقوق العمال والمرأة العاملة، وللكشف عن طبيعة النظام الرأسمالي الاستغلالية. في العام التالي، شاركت في تأسيس الأممية الشيوعية (الكومنترن)، حيث لعبت دوراً رئيسياً في صياغة سياساتها تجاه قضية المرأة.
في مؤتمر الأممية الشيوعية عام 1921، أعلنت كلارا موقفها الواضح: "تحرر المرأة لن يتحقق إلا بتحطيم الدولة البرجوازية وبناء ديكتاتورية البروليتاريا". عارضت بشدة محاولات فصل النضال النسائي عن الصراع الطبقي العام، مؤكدة أن المنظمات النسائية يجب أن تكون تحت قيادة الحزب الشيوعي وضمن استراتيجيته الثورية الشاملة.
في عام 1925، أسست كلارا "يوم المرأة العالمي" (8 مارس) كإرث دائم لنضالها، محولة إياه إلى مناسبة أممية للطبقة العاملة وليس مجرد احتفال نسوي. رفضت فكرة "المساواة بين الجنسين" في إطار المجتمع الطبقي، مؤكدة أن المساواة الحقيقية تتطلب القضاء على النظام الرأسمالي الذي ينتج الاضطهاد المزدوج للمرأة العاملة.
في سنواتها الأخيرة، واجهت كلارا تصاعد النازية في ألمانيا، وحاربت بلا هوادة ضد الفاشية وخطورتها على الطبقة العاملة. بعد وصول هتلر إلى السلطة في عام 1933، اضطرت للفرار إلى الاتحاد السوفيتي، حيث توفيت في 20 يونيو من نفس العام.
تركت كلارا زيتكن إرثاً ثورياً غنياً يؤكد على عدة مبادئ أساسية: أولاً، أن تحرر المرأة لا ينفصل عن تحرر الطبقة العاملة بأكملها. ثانياً، أن النضال من أجل حقوق المرأة يجب أن يكون جزءاً عضوياً من النضال الثوري العام لإسقاط الرأسمالية. ثالثاً، أن تحقيق المساواة الحقيقية يتطلب ثورة اجتماعية تقضي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتقيم مجتمعاً اشتراكياً.
اليوم، بعد ما يقرب من قرن على رحيلها، تبقى أفكار كلارا زيتكن وثيقة الصلة بالنضالات المعاصرة. في عالم يشهد تصاعداً للرأسمالية المتوحشة وزيادة في استغلال المرأة العاملة، خاصة في بلدان الجنوب العالمي، تذكرنا نظريتها بأن النضال النسائي الحقيقي هو نضال طبقي، وأن تحرر المرأة لن يكتمل إلا بتحرر البشرية جمعاء من نير الرأسمالية والإمبريالية.
هذه السيرة تُكتب اليوم ليس كتاريخٍ منزوع الدماء، بل كـبرنامج نضالي لكل ثوري يرفع شعار: "يا عمال العالم، اتحدوا!".